سورة الأعراف - تفسير تفسير الثعلبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأعراف)


        


{وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ (119) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (122) قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123) لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124) قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (125) وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ (126) وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127) قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129) وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130) فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (131) وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (132) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (133) وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (134) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (135) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (136)}
{وَأَوْحَيْنَآ إلى موسى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ} فألقاها {فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ} تبتلع، ومَنْ قرأ تلقف ساكنة اللام خفيفة القاف فهو من لقف يلقف، ودليله قراءة سعيد بن جبير: تلقم من لقم يلقم.
{مَا يَأْفِكُونَ} يُكذّبون، وقيل: يقلبون ويزوّرون على الناس فأكلت سحرهم كله فقالت السحرة: لو كان هذا سحراً لبقت حبالنا وعصينا. فذلك قوله: {فَوَقَعَ الحق} أي ظهر.
قال النضير بن شميل: فوقع الحق أي فزعهم وصدّعهم كوقع الميقعة {وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} من السحر {فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ} وبطل ما كانوا يعملون {وانقلبوا صَاغِرِينَ} ذليلين ومقهورين.
{وَأُلْقِيَ السحرة سَاجِدِينَ} لله حيث عرفوا أنّ ذلك أمر سماوي وليس سحراً، وقيل: ألهمهم الله ذلك، وقال الأخفش: من سرعة ما سجدوا كأنهم ألقوا {قالوا آمَنَّا بِرَبِّ العالمين} فقال فرعون: إياي تعنون فقالوا {رَبِّ موسى وَهَارُونَ}.
قال عطاء: فكان رئيس السحرة بأقصى مدائن مصر وكانا أخوين فلمّا جاءهما رسول فرعون قالا لأُمّهما دلّينا على قبر أبينا فدلتهما عليه فأتياه فصاحا باسمه فأجابهما فقالا: إن الملك وجه إلينا رسولاً أن نقدم عليه، لأنّه أتاه رجلان ليس معهما رجال ولا سلاح ولهما عزّ ومنعة وقد ضاق الملك ذرعاً من عزّهما، ومعهما عصا إذا ألقياها لا يقوم لهما شيء تبلغ الحديد والحجر والخشب. فأجابهما أبوهما: انظرا إذا هما ناما فإنّ قدرتما أن تسلا العصا فسلاّها فإنّ الساحر لا يعمل سحره إذا نام، وإن عملت العصا وهما نائمان فذلك أمر ربّ العالمين، ولا طاقة لكما به ولا الملك ولا جميع أهل الدنيا، فأتاهما في خفية وهما نائمان ليأخذا العصا فقصدتهما العصا قاله مقاتل.
قال موسى للساحر الأكبر: تؤمن بيّ إن غلبتك فقال لآتينَ بسحر لا يغلبه سحر ولئن غلبتني لأؤمنن بك وفرعون ينظر {قَالَ} لهم فرعون حين آمنوا {آمَنتُمْ بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هذا لَمَكْرٌ} صنيع وخديعة {مَّكَرْتُمُوهُ} صنعتموه أنتم وموسى {فِي المدينة} في مصر قبل خروجكم إلى هذا الموضع.
{لِتُخْرِجُواْ مِنْهَآ أَهْلَهَا} بسحركم {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} ما أفعل بكم.
{لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ} وهو أن يقطع من شق طرفا قال سعيد بن جبير: أوّل مَنْ قطع من خلاف فرعون {ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ} على شاطئ نهر مصر {قالوا} يعني السحرة لفرعون {إِنَّآ إلى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ} راجعون في الآخرة {وَمَا تَنقِمُ مِنَّآ} قرأ العامّة بكسر القاف.
وقرأ الحسن وابن {المحيصن} بفتح القاف وهما لغتان نقَم ينقَم ونقم ينقِم.
قال الشاعر:
وما نقموا من بني أميّة إلا *** أنّهم يحلمون إن غضبوا
وقال الضحاك وغيره: يعني وما يطعن علينا. قال عطاء: ما لنا عندك من ذنب وما ارتكبنا منك مكروهاً تعذّبنا عليه {إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَآءَتْنَا} ثمّ فزعوا إلى الله عز وجل فقالوا {رَبَّنَآ أَفْرِغْ} اصبب {عَلَيْنَا صَبْراً} أُصبب علينا الصبر عند القطع والصلب حتّى لا نرجع كفاراً {وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ} واقبضنا إليك على دين موسى، فكانوا أول النهار كفاراً سحرة وآخره شهداء بررة.
{وَقَالَ الملأ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ} أتدع {موسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ} كي يفسدوا عليك ملكك عبيدك {فِي الأرض} في أرض مصر {وَيَذَرَكَ} يعني وليذرك.
وروى سليمان التيمي عن أنس بن مالك أنّه قرأ ويذرك بالرفع والنون، أخبروا عن أنفسهم أنهم يتركون عبادته إن ترك موسى حياً فيصرفهم عنّا.
وقرأ الحسن {ويذرك} بالرفع على تقدير المبتدأ، أي وهو يذرك، {آلِهَتَكَ} فلا نعبدك ولا نعبدها. قال ابن عباس: كان لفرعون بقرة يعبدها وكانوا إذا رأوا بقرة حسناء أمرهم أن يعبدوها، ولذلك أخرج السامري لهم عجلاً.
وروى عمرو عن الحسين قال: كان لفرعون حنانة معلقة في نحره يعبدها ويسجد عليها كأنّه صنم كان عابده يحن إليه.
وروي عن ابن عباس أيضاً أنه قال: كان فرعون يصنع لقومه أصناماً صغاراً ويأمرهم بعبادتها ويقول لهم: أنا رب هذه الأصنام، وذلك قوله: {أَنَاْ رَبُّكُمُ الأعلى} [النازعات: 24].
قال أبو عبيد: وبلغني عن الحسن أنه قيل له: هل كان فرعون يعبد شيئاً؟ قال: نعم كان يعبد تيساً.
وقرأ ابن مسعود وابن عباس وبكر بن عبد الله الشعبي والضحاك وابن أبي إسحاق: إلهتك بكسر الألف أي إلهك فلا يعبدك كما تعبد. قالوا: لأن فرعون كان يُعبد ولا يَعبد.
وقيل أراد بالآلهة الشمس وكانوا يعبدونها.
قال عيينة بن شهاب:
تروحنا من الأعيان عصراً *** فأمحلنا الآلهة أن تؤوبا
بمعنى الشمس {قَالَ} يعني فرعون سنقتل أبنائهم بالتشديد على التكثير. وقرأ أهل الحجاز بالتخفيف {وَنَسْتَحْيِي نِسَآءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ} غالبون.
قال ابن عباس: كان فرعون يقتل بني إسرائيل في العام الذي قيل له إنّه يولد مولود يذهب بملكك فلم يزل يقتلهم حتّى أتاهم موسى عليه السلام بالرسالة فلما كان من أمر موسى ما كان أمر بإعادة عليهم القتل فشكت بنو إسرائيل إلى موسى عليه السلام فعند ذلك {قَالَ موسى لِقَوْمِهِ استعينوا بالله واصبروا إِنَّ الأرض للَّهِ} يعني أرض مصر {يُورِثُهَا} يُعطيها {مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ} وقرأ الحسن يورثها بالتشديد والاختيار والتخفيف لقوله تعالى وأورثنا الأرض {والعاقبة لِلْمُتَّقِينَ} يعني النصر والظفر، وقيل: السعادة والشهادة، وقيل: الجنّة.
وروى عكرمة عن ابن عباس قال: لما آمنت السحرة اتّبع موسى ست مائة ألف من بني إسرائيل {قالوا} يعني قوم موسى {أُوذِينَا} بقتل الأبناء واستخدام النساء والتسخير. {مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا} بالرسالة {وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا} بالرسالة وإعادة القتل والتعذيب وأخذ الأموال والأتعاب في العمل.
قال وهب: كانوا أصنافاً في أعمال فرعون فأما ذوو القوة منهم فيسلخون السوابي من الجبال وقد [.......] أعناقهم وعواتقهم وأيديهم ودبرت ظهورهم من قطع ذلك وقتله.
وطائفة أُخرى قد قرحوا من ثقل الحجارة وسير الليل له، وطائفة يلبنون اللبن ويطنبون الأجر، وطائفة نجارون وحدادون، والضعفاء بينهم عليهم الخراج ضريبة يودون كانت ضربت عليه الشمس، قيل: وإن يردى ضريبته غلت يده إلى عنقه شهراً، وأما النساء فيقرن اختان وينسجنه فقال موسى عليه السلام لهم {عسى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ} فرعون {وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأرض} ويسكنكم مصر من بعدهم بالتسخير والاستعباد وهم بنو إسرائيل {مَشَارِقَ الأرض وَمَغَارِبَهَا} يعني مصر والشام {التي بَارَكْنَا فِيهَا} بالماء والأشجار والثمار وإنما ذكر بلفظ [.....].


{وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137) وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138) إِنَّ هَؤُلَاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (139) قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (140) وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (141)}
[.......] فأورثهم ذلك بمهلك أهلها من العمالقة والفراعنة. {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الحسنى} يعني تمت كلمة الله وهي وعده إياهم بالنصر والتمكين في الأرض. وذلك قوله عز وعلى {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الذين استضعفوا فِي الأرض} [القصص: 5] إلى قوله: {مَّا كَانُواْ يَحْذَرُونَ} [القصص: 6].
وقيل: معناه رحبت نعمة ربّك الحسنى {على بني إِسْرَآئِيلَ} يعني أنهم مجزون الحسنى يوم القيامة {بِمَا صَبَرُواْ} على دينهم {وَدَمَّرْنَ} أهلكنا فدمرنا {مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ} في أرض مصر من المغارات {وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ}.
قال الحسن: وما كانوا يعرشون من الثمار والأعشاب.
وقال مجاهد: يعني يبنون البيوت، والقصور ومساكن وكان غنيّهم غير معروش.
وقرأ ابن عامر وابن عباس: بضم الراء وهما لغتان فصيحتان عرش يعرش.
وقرأ إبراهيم بن أبي علية: يعرشون بالتشديد على الكسرة {وَجَاوَزْنَا} قطعنا {ببني إِسْرَآئِيلَ البحر} بعد الآيات التي رأوها والعير التي عاينوها.
قال الكلبي: عبر بهم موسى يوم عاشوا بعد هلاك فرعون وقومه وصام يومئذ شكراً لله عزّ وجلّ {فَأَتَوْاْ} فمرّوا {على قَوْمٍ يَعْكُفُونَ} يصلّون، قرأ حمزة والكسائي يعكفون بكسر الكاف والباقون بالضم وهما لغتان {على أَصْنَامٍ} أوثان {لَّهُمْ} أوثان لهم كانوا يعبدونها من دون الله عزّ وجلّ.
قال ابن جريج: كانت تماثيل بقر وذلك أوّل شأن العجل.
قال قتادة: كانوا أُولئك القوم من لخم وكانوا هؤلاء بالرمة، وقيل: كانوا من الكنعانيين الذين أمر موسى بقتالهم فقالت بنو إسرائيل له عندما رأوا ذلك {قَالُواْ ياموسى اجعل لَّنَآ إلها} تمثالاً نعبده {كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ} موسى {إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} عظمة الله ونعمته وحرمته.
وروى معمر عن الزهري عن أبي واقد الليثي قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حنين فمررنا بشجرة خضراء عظيمة فقلنا: يا رسول الله اجعل لنا هذه ذات أنواط كما للكفّار ذات أنواط. فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «الله أكبر هذا كما قالت بنو إسرائيل لموسى عليه السلام اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة والذي نفسي بيده لتركبنّ سنن مَنْ كان قبلكم».
وروي عنه عليه السلام أنه قال: «لا تقوم الساعة حتّى تأخذ أُمّتي أخذ الاُمم قبلها شبراً بشبر وذراعاً بذراع كما قالت فارس والروم».
{إِنَّ هؤلاء مُتَبَّرٌ} مهلك ومفسد ومخسر {مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ} مضمحل زائل {مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * قَالَ أَغَيْرَ الله أَبْغِيكُمْ} أطلب وأبغي لكم فحذف حرف الصفة لقوله: {واختار موسى قومه} {إلها وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى العالمين} على أهل زمانكم {وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ} قرأ أهل المدينة أنجيناكم، وقرأ أهل الشام وإذ أنجاكم وكذلك في مصاحفهم بغير نون.
{مِّنْ آلِ فِرْعَونَ يَسُومُونَكُمْ سواء العذاب يُقَتِّلُونَ أَبْنَآءَكُمْ}.
قرأ نافع: {يقتلون} خفيفة من القتل على القليل، وقرأ الباقون التشديد على الكثير من القتل {وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ وَفِي ذلكم بلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ}.


{وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142) وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143) قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (144) وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ (145) سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ (146) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (147)}
{وَوَاعَدْنَا موسى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً} ذا القعدة {وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ} من ذي الحجّة {فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} وقال عند انطلاقه لأخيه هارون {اخلفني} كن خليفتي {فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ} وأصلحهم بحملك إياهم على طاعة الله {وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ المفسدين} ولا تسلك طريق العاصين ولا تكن مرناً للظالمين، وذلك أن موسى وعد بني إسرائيل وهم بمصر إذا أهلك الله عدوّهم واستنقذهم من أيديهم أتاهم بكتاب فيه ما يأتون وما يذرون، فلما فعل الله ذلك بهم سأل موسى ربه الكتاب فأمره الله عز وجل صوم ثلاثين يوماً وهو شهر ذي القعدة فلما تمت ثلاثون ليلة أنكر خلوق فمه فتسوك بعود ضرنوب فقالت له الملائكة: كنّا نشم من فيك رائحة المسك فأفسدته بالسواك.
وقال أبو العالية: إنّه أكل من لحاء الشجرة فأمره الله عزّ وجلّ بصوم عشرة أيام من ذي الحجّة. وقال: أما علمت أن خلوف فم الصائم أطيب عندي من ريح المسك، فكان فتنتهم في العشر التي زادها الله عز وجل {وَلَمَّا جَآءَ موسى لِمِيقَاتِنَا} أي الوقت سأله أن يكلمه فيه والميقات مفعال من الوقت كالميعاد والبلاد انقلبت الواو ياءً لسكونها وانكسار ما قبلها.
قال المفسّرون: إنّ موسى عليه السلام تطهّر وطهّر ثيابه لميعاد ربه فلما أتى بطور سيناء {وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} وناجاه وأدناه حتّى سمع حروف القلم فاستجلى كلامه واشتاق إلى رؤيته وطمع فيها {قَالَ رَبِّ أرني أَنظُرْ إِلَيْكَ} قال ابن عباس: أعطني أنظر إليك {قَالَ} الله تعالى {لَن تَرَانِي} وليس بشراً لا يطيق النظر إليّ في الدنيا، من نظر إليّ مات، فقال له: سمعت كلامك واشتقت إلى النظر إليك فلئن أنظر إليك وأموت أحب إليّ من أن أعيش ولا أراك فقال الله تعالى {ولكن انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ} فهو أعظم جبل بمدين يُقال له: زبير فلمّا سمعت الجبال ذلك تعاظمت رجاء أن يتجلّى منها الله لها وجعل زبير يتواضع من تبيان فلمّا رأى الله تعالى تواضعه رفعه من بينهما وخصّه بالتجلّي.
قال السدي: لمّا كلّم الله موسى خاض الخبيث إبليس في الأرض حتّى خرج بين قدمي موسى فوسوس إليه وقال: إن مكلمك الشيطان فعند ذلك سأل الرؤية فقال الله تعالى: لن تراني [......] تعلّقت [......] الرؤية بهذه الآية، ولا دليل لهم فيها لأنّ {لن} ههنا لا توجب التأبيد وإنما هي للتوقيت لقوله تعالى حكاية عن اليهود {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ} [البقرة: 95] يعني الموت ثمّ حكى عنهم أنهم يقولون لمالك {يامالك لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف: 77]. و{ياليتها كَانَتِ القاضية} [الحاقة: 27] يعني الموت، وقال سبحانه {لَن تَنَالُواْ البر} [آل عمران: 92] يعني الجنّة {حتى تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] وقد يدخل الجنّة مَنْ لا يُنفق ممّا علمت فمعنى الآية لن تراني في الدنيا وإنما تراني في العقبى.
قال عبد العزيز بن يحيى: قوله: {لَن تَرَانِي} جواب قول موسى {أرني أنظر إليك} ولا تقع على الآخرة، لأن موسى لم يقل أرني أنظر إليك في الآخرة إنما سأله الرؤية في الدنيا فأُجيب عما سأل ولا حجّة فيه لمَنْ أنكر الرؤية.
وقيل: معنى {لَن تَرَانِي} أي لا تقدر أن تراني، وقيل: معناه لن تراني بعين فانية وإنما تراني بعين باقية، وقيل: لن تراني قبل محمد وأُمته وإنما تراني بعد محمد وأُمته، وقيل: معناه لن تراني بالسؤال والدعاء وإنما تراني بالنوال والعطاء إنّه لو أعطاه إياه بسؤاله لكانت الرؤية مكافأة السؤال، ويجوز أن يكون فعله مكافأة فعل عبده ولا يجوز أن يكون هو مكافأة فعل عبده.
وقيل: معناه لن تراني بالعين التي رأيت بها عدوي وذلك أنّ الشيطان تراءى له فوسوس إليه، فقال الله تعالى: ياموسى أما تعلم أنّ رؤية الخبيث والله لا يجتمعان في حال واحد ومكان واحد وزمان واحد.
وسمعت أبا القاسم الحبيبي يقول: سمعت عليّ بن مهدي الطبري يقول: لو كان سؤال موسى مستحيلاً لما أقدم عليه نبي الله موسى عليه السلام مع علمه ومعرفته بالله عن اسمه كما لم تجز أن يسأله لنفسه صاحبة ولا ولداً.
وقال الله عزّ وجلّ: {ولكن انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} واستقراره بكونه وثباته.
قال المتكلّمون من أهل الشام: لما علق الله الرؤية باستقراره دلّ على جواز الرؤية لأن استقراره غير محال فدلّ على أن ما علق عليه من كون الرؤية غير محال أيضاً ألا ترى أن دخول الكفار الجنّة لما كان مستحيلاً علقه بشيء مستحيل. وهو قوله: {وَلاَ يَدْخُلُونَ الجنة حتى يَلِجَ الجمل فِي سَمِّ الخياط} [الأعراف: 40].
وقال أهل الحكمة والاشارة: إن الكليم لما أراد الخروج إلى الميقات جعل بين قومه وبين ربه واسطة يقول لأخيه هارون: {اخلفني فِي قَوْمِي} فلما سأل الرؤية جعل الله تعالى بينه وبينها واسطة وهو الجبل لقوله تعالى: {لَن تَرَانِي ولكن انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ} فقال: وكأنّه يقول إن لم أصلح لخلافتك دون أخيك فأنت أيضاً لأنه لم ترونني دون استقرار الجبل {فَلَمَّا تجلى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ}.
قال وهب: لما سأل موسى الرؤية أرسل إليه الضباب والصواعق والظلمة والرعد والبرق فأحاطت بالجبل الذي عليه موسى فأمر الله ملائكة السماوات أن يعترضوا على موسى أربعة فراسخ من كل ناحية فمرت به ملائكة سماء الدنيا كثير، إن البقر تتبع أفواههم بالتقديس والتسبيح بأصوات عظيمة كأصوات الرعد الشديد، ثمّ أمر الله ملائكة سماء الثانية أن اهبطوا على موسى فهبطوا عليه مثل الأسد لهم لجبّ بالتسبيح والتقديس ففزع العبد الضعيف ابن عمران مما رأى وسمع واقشعر كل شعرة في رأسه وجسده.
ثمّ قال: ندمت على مسألتي فهل ينجيني من مكاني الذي أنا فيه؟
فقال له حبر الملائكة ورأسهم: يا موسى اصبر لما سألت فقليل من كثير ما رأيت ثمّ هبطت ملائكة السماء الثالثة كأمثال النسور لهم قصف ورجف ولجب شديد وأفواههم تتبع بالتسبيح بالتقديس كجلب الجيش العظيم ولهب النار.
ثمّ هبطت عليه ملائكة السماء الرابعة لا يشبههم شيء من الذين مروا به قبلهم ألوانهم كلهب النار وسائر خلقهم كالثلج الأبيض أصواتهم عالية بالتسبيح والتقديس لا يقاربهم شيء من أصوات الذين مروا به من قبلهم.
ثمّ هبطت عليهم ملائكة السماء الخامسة سبعة ألوان فلم يستطيع أن يتبعهم طرفه ولم يرَ مثلهم ولم يسمع مثل أصواتهم فامتلأ جوفه خوفاً واشتد حزنه وكثر بكاؤه فقال له حبر الملائكة ورأسهم: يا بن عمران مكانك حتّى ترى ما لا تصبر عليه ثمّ أمر الله تعالى ملائكة السماء السادسة أن اهبطوا على عبدي أراد أن يراني فاعترفوا عليه فهبطوا عليه في يد كل ملك مثل النخلة العظيمة الطويلة نار أشد ضوءاً من الشمس ولباسهم كلهيب النار، إذا سبحوا وقدّسوا جاوبهم من كان قبلهم من ملائكة السماوات كلهم يقولون بشدة أصواتهم: سبوح قدوس رب العزّة أبداً لا يموت، في رأس كل ملك منهم أربعة أوجه، فلما رآهم موسى رفع صوته يسبح معهم حين سبحوا وهو يبكي ويقول: رب اذكرني ولا تنسَ عبدك لا أدري أنقلب مما أنا فيه أم لا؟ إن خرجت أُحرقت وإن مكثت متّ، فقال له رأس الملائكة ورئيسهم: قد أوشكت يابن عمران أن يمتلئ جوفك وينخلع قلبك فاصبر للذي جلست.
ثمّ أمر الله تعالى أن يحمل عرشه في ملائكة السماء السابعة وقال: أروه، فلما بدا نور العرش انفرج الجبل من عظمة الرب ورفعت ملائكة السماوات أصواتهم جميعاً فارتج الجبل واندكت كل شجرة كانت فيه {وَخَرَّ} العبد الضعيف {موسى صَعِقاً} على وجهه ليس معه روحه فقلب الله الحجر الذي كان عليه موسى وجعله كالمعدة كهيئة القبّة لئلاّ يحترق موسى، فأرسل الله تعالى إليه روح الحياة فقام موسى يسبح الله تعالى ويقول: آمنت بأنك ربّي وصدقت بأنه لا يراك أحد فيحيا. ومن نظر إلى ملائكتك انخلع قلبه فما أعظمك وأعظم ملائكتك أنت رب الأرباب وإله الآلهة وملك الملوك، لا يعدلك شيء ولا يقوم لك شيء رب تبت إليك الحمد لله لا شريك لك رب العالمين.
وقال السدي: حفّت حول الجبل بالملائكة وحفّت حول الملائكة بنار وحفّ حول النار بالملائكة وحفّ حول الملائكة بنار ثمّ تجلّى ربّك للجبل.
وقال ابن عباس: ظهر نور ربّه للجبل جبل زبير، وقال الضحاك أخرج الله تعالى له من نور الحجب مثل منخر الثور.
وقال عبد الله بن سلام وكعب الأحبار: ما تجلّى من عظمة الله للجبل إلاّ مثل سمّ الخياط، يعني صار دكّاً.
وقال السدي: ما تجلّى منه إلاّ قدر الخنصر. يدلّ عليه ما روى عن ثابت عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قرأ هذه الآية فقال: «هكذا، ووضع الإبهام على المفصل الأعلى من الخنصر، فساخ الجبل».
وقال سفيان: ساخ الجبل في الأرض حتّى وقع في البحر فهو يذهب معه.
وقال أبو بكر الهذلي: انقعر فدخل تحت الأرض فلا يظهر إلى يوم القيامة.
وقال عطيّة العوفي: جعله دكّاً أي رملاً هائلاً، وقال الكلبي: جعله دكاً أي كسراً جبالاً صغيراً. قال الحسن: جعله دكّاً أي ذاهباً أصلاً. وقال مسروق: صار صغيراً كالرابية.
الحسن: أوحى الله تعالى إلى الجبل هل تطيق رؤيتي فغار الجبل وساخ في الأرض وموسى ينظر حتّى ذهب أجمع.
وقال قطرب: فلمّا تجلّى ربّه أي: أمر ربّه للجبل كقوله. {وَسْئَلِ القرية التي كُنَّا فِيهَا} [يوسف: 82].
وقال المبرد: معناه فلمّا تجلّى ربّه آية للجبل جعله فعلاً متعدّياً كالتخلّص والتبدّل والتوعد.
وقال أبو بكر محمد بن عمر الورّاق: حكي لي عن سهل بن سعد الساعدي أن الله تعالى أظهر من وراء سبعين ألف حجاب ضوءاً قدر الدرهم فجعل الجبل دكاً.
وقال أبو بكر: فَعَذُب إذ ذاك كل ماء وأفاق كل مجنون وبرأ كل مريض. وزالت الأشواك عن الأشجار وخصبت الأرض وأزهرت وخمدت نيران المجوس. وخرت الأصنام لوجهها {جَعَلَهُ دَكّاً} مستوياً بالأرض. وقال ابن عباس: جعله تراباً.
عن معونة بن قرّة عن أنس بن مالك قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: «{فَلَمَّا تجلى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً}: طارت لعظمته ستة أجبل فوقعت ثلاثة بالمدينة: أحد وورقان، ورضوى. ووقع ثلاثة بمكّة ثور وثبيرة وحراء».
واختلفت القراءة في هذا الحرف، وقرأ عاصم {دَكّاً} بالقصر والتنوين. والتي في الكهف بالمد، وقرأ غيره من أهل الكوفة وحمير {دكاء} ممدودة غير مجراه في التنوين.
وقرأ الباقون مقصورة الرفع منونة. وهو اختيار أبي حاتم وأبي عبيد، فمن قصره فمعناه جعله مدكوكاً. والدك والدق بمعنى واحد لأن الكاف والقاف يتعاقبات، لقولهم: كلام رقيق وركيك، ويجوز أن يكون معناه: دكه الله دكاً أي فتّه الله أغباراً لقوله: {إِذَا دُكَّتِ الأرض دَكّاً} [الفجر: 21] وقوله: {وَحُمِلَتِ الأرض والجبال فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً} [الحاقة: 14].
قال حميد:
يدك أركان الجبال هزمه *** تخطر بالبيض الرقاق بهمه
ومن مده فهو من قول العرب ناقة دكاء إذا لم يكن لها سنام. وحينئذ يكون معناه: جعله أيضاً دكاء، أي مستوية لا شيء فيها، لأن الجبل مذكر، هذا قول أهل الكوفة.
وقال نحاة البصرة: معناه فجعله مثل دكّاً وحذف مثل فأجرى مجرى {وَسْئَلِ القرية} [يوسف: 82] قال الأخفش: من مدّ قال في الجمع: دكاوات، وذلك مثل حمراوات وحمرة، ومن قال: أرض دك، قال في الجمع: دكوك، {وَخَرَّ} أي وقع {موسى صَعِقاً} قال ابن عباس: فغشي عليه، وقال قتادة: ميّتاً.
وقال الكلبي: خرّ موسى صعقاً يوم الخميس يوم عرفة وأعطى التوراة يوم الجمعة يوم النحر.
وقال الواقدي: لما خرَّ موسى صعقاً قالت ملائكة السماوات: ما لابن عمران وسؤاله الرؤية؟!
وفي بعض الكتب أنّ ملائكة السماوات أتوا موسى وهو مغشي عليه فجعلوا يلكزونه بأرجلهم ويقولون: يابن النساء الحيض أطمعت في رؤية ربّ العزّة.
{فَلَمَّآ أَفَاقَ} من صعقته وعقله عرف أنّه قد فعل أمراً لا ينبغي فعله {قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ} من سؤالي الرؤية {وَأَنَاْ أَوَّلُ المؤمنين} بأنك لا تُرى في الدنيا قال السدي ومجاهد: وأنا أوّل مَنْ آمن بك من بني إسرائيل.
وسمعت أبا القاسم الحبيبي قال: سمعت أبا القاسم النصر آبادي يحكي عن الجنيد [أنه قال:] جئت إليك من الأسباط في شيء لا تعقله نيتي، فأنا أوّل المؤمنين بأنّك لا تُرى في الدنيا لأن أول من سألك الرؤية [......].
قال ابن عباس: لمّا سار موسى إلى طور سيناء للميقات قال له ربه: ما تبتغي؟ قال: جئت أبتغي الهدي. قال قد وجدته يا موسى، فقال موسى: يارب أي عبادك أحب إليك؟ قال: الذي يذكرني ولا ينساني. قال: أي عبادك أقصى؟ قال: الذي يقضي بالحق ولا يتبع الهوى. قال: أي عبادك أعلم؟ قال: الذي يبتغي علم الناس إلى علمه فيسمع الكلمة تهديه إلى الهُدى ويرد سنن رديء.
وقال عبد الله بن مسعود: لمّا قرب الله موسى بطور سيناء رأى عبداً في ظلّ العرش جالساً فقال: ما هذا، قال: هذا عبد لا يحسد الناس على ما أتاهم الله من فضله وبرّ بوالديه ولا يمشي بالنميمة.
فقال موسى: يارب اغفر لي ما مضى من ذنبي وما مضى وما بين ذلك وما أنت أعلم به مني، أعوذ بك من وسوسة نفسي وأعوذ بك من شر عملي. فقال: قد كفيت ذلك يا موسى، قال: يا رب أي العمل أحب إليك أن أعمل به؟ قال: تذكرني ولا تنساني، قال: أي عبادك خير عملاً؟ قال: مَنْ لا يُكذّب لسانه ولا يفجر قلبه ولا يزني فرجه وهو ذو خلق حسن، قال: فأي عبادك شر عملاً؟ قال: فاجر في خلق سيء جيفة ليل بطال النهار. {إِنِّي اصطفيتك عَلَى الناس بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَآ آتَيْتُكَ} أعطيتك {وَكُنْ مِّنَ الشاكرين} لله سبحانه على نعمه.
أخبرنا أبو عمرو أحمد بن أحمد بن حمدون الفراتي. أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين بن بكير الرازي، حدثنا الحسن بن عليّ بن يحيى بن سلام الإمام، حدثنا أحمد بن حسان بن موسى البلخي. حدثنا أبو عاصم إسماعيل بن عطاء بن قيس الأموي عن أبي حازم المدني عن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما أعطى الله تعالى موسى الألواح فنظر فيه قال: يا رب لقد أكرمتني بكرامة لم تكرمها أحداً قبلي قال: يا موسى إنّي اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين، بجد ومحافظة وموت على حب محمد صلى الله عليه وسلم.
قال موسى: يا رب ومن محمد؟ قال: أحمد النبي الذي أُثبت اسمه على عرشي من قبل أن أخلق السماوات بألفي عام، إنّه نبيي وصفيي وحبيبي وخيرتي من خلقي وهو أحب إلي من جميع خلقي وجميع ملائكتي.
قال موسى: يا رب إن كان محمد أحب إليك من جميع خلقك فهل خلقت أمته أكرم عليك من أمتي؟ قال: يا موسى إنّ فضل أُمة محمد على سائر الخلق كفضلي على جميع خلقي. قال: يا رب ليتني رأيتهم، قال: يا موسى إنّك لن تراهم، لو أردت أن تسمع كلامهم أسمعتك، قال: يا رب فإني أُريد أن أسمع كلامهم، قال الله تعالى: يا أُمة أحمد، فأجبنا كلنا من أصلاب آبائنا وأرحام أُمهاتنا لبيك اللهم لبيك إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك. قال الله تعالى: يا أُمة أحمد إن رحمتي سبقت غضبي وعفوي سبق حسابي قد أعطيتكم من قبل أن تسألوني وقد أجبتكم من قبل أن تدعوني وقد غفرت لكم قبل أن تعصوني. من جاءني يوم القيامة بشهادة أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً عبدي ورسولي دخل الجنّة ولو كانت ذنوبه أكثر من زبد البحر. وهذا قوله عزّ وجلّ».
{وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الغربي} إلى قوله: {الشاهدين} [القصص: 44] {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطور إِذْ نَادَيْنَا} [القصص: 46].
قال الثعلبي: وأخبرنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عليّ بن نصير المزكى، أخبرنا أبو العباس محمد بن إسحاق السراج حدّثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا رشد بن سعيد عن سعيد بن عبد الرحمن المعافري عن أبيه أن كعب الأحبار رأى حبر اليهود يبكي قال: ما يبكيك؟
قال: ذكرت بعض الأُمور.
فقال له كعب: أنشدك الله لئن أخبرتك ما أبكاك تصدقني؟
قال: نعم.
قال: أنشدك الله تجد في الكتاب المنزل أنّ موسى عليه السلام نظر في التوراة فقال: إني أجد أُمة خير أُمم أُخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله والرسول والكتاب الآخر ويقاتلون أهل الضلالة حتّى يقاتلوا الأعور الدجال، فقال موسى: ربّ اجعلهم أُمّتي، قال: هم أُمّة محمد يا موسى، قال الحبر: نعم.
قال: أنشدك الله تجد في كتاب الله المنزل أنّ موسى نظر في التوراة فقال: رب إني أجد أُمةً يأكلون كفاراتهم وصدقاتهم، وكان الأولون يحرقون صدقاتهم بالنار غير أن موسى كان يجمع صدقات بني إسرائيل فلا يجد عبداً مملوكاً ولا أمةً إلاّ اشتراه ثمّ أعتقه من تلك الصدقات فما فضل حفر له بئر عميقة القعر فألقاه فيها ثمّ دفنه كيلا يرجعوا فيه، وهم المستجيبون والمستجاب لهم الشافعون والمشفوع لهم.
قال موسى: اجعلهم أُمّتي؟ قال: هي أُمة أحمد يا موسى. قال الحبر: نعم.
قال كعب: أنشدك الله تجد في كتاب الله المنزل أنّ موسى عليه السلام نظر في التوراة، فقال: إني أجد أُمة إذا أشرف أحدهم على نشر كبر الله وإذا هبط وادياً حمد الله، الصعيد لهم طهور والأرض لهم مسجد حيث ما كانوا، يتطهرون من الجنابة، طهورهم بالصعيد كطهورهم بالماء حيث لا يجدون الماء، غير محجلون من آثار الوضوء، فاجعلهم أُمتي؟ قال: هي أُمة أحمد يا موسى، قال الحبر: نعم.
قال كعب: أنشدك الله تجد في كتاب الله المنزل أن موسى نظر في التوراة فقال: ربِ إني أجد أُمةً إذا همَّ أحدهم بحسنة لم يعملها كتبت له حسنة مثلها، وإن عملها ضعف عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، فإذا هَمّ بسيئة ولم يعملها لم يكتب عليه وإن عملها كتبت سيئة مثلها.
قال: اجعلهم أُمتي؟ قال: هي أُمة أحمد يا موسى، قال الحبر: نعم.
قال كعب: أنشدك الله تجد في كتاب الله المنزل أن موسى نظر في التوراة وقال: ربِ إنّي أجد أُمّة مرحومة ضعفاء يرثون الكتاب الذين اصطفيناهم، فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات فلا أجد منهم أحداً إلاّ مرحوماً. اجعلهم أُمّتي؟ قال: هي أُمة أحمد يا موسى، قال الحبر: نعم.
قال كعب: أنشدك الله تجد في كتاب الله المنزل أنّ موسى نظر في التوراة قال: ربِ إنّي أجد في التوراة أُمة مصاحفهم في صدورهم يلبسون ألوان ثياب أهل الجنّة، يصفون في صلواتهم صفوف الملائكة أصواتهم في مساجدهم كدوي النحل، لا يدخل النار منهم أحدٌ أبداً إلا من يرى الحساب مثل ما يرى الحجر من وراء الشجر، قال موسى: فاجعلهم أُمتي؟ قال: هي أمة أحمد ياموسى. قال الحبر: نعم.
فلما عجب موسى من الخير الذي أعطى الله تبارك وتعالى محمداً صلى الله عليه وسلم قال: يا ليتني من أصحاب محمد فأوحى الله عزّ وجلّ ثلاث آيات يرضيه بها هي {ياموسى إِنِّي اصطفيتك عَلَى الناس} إلى قوله: {دَارَ الفاسقين} {وَمِن قَوْمِ موسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بالحق وَبِهِ يَعْدِلُونَ} قال: فرضي موسى كل الرضا.
قوله تعالى: {وَكَتَبْنَا لَهُ} يعني لموسى {فِي الألواح}.
قال الربيع بن أنس: كانت ألواح موسى عليه السلام من برد، وقال ابن جريج: كانت من زمرّد أمر الله تعالى جبرئيل حتّى جاء بها من عدن يكتبها بالقلم الذي كتب به الذكر فاستمد من بحر النور فكتب له الألواح.
وقال الكلبي: كانت الألواح زبرجداً خضراء وياقوتة حمراء كتب الله فيها ثماني عشرة آية من بني إسرائيل وهي عشر آيات في التوراة. قال وهب: أمره الله تعالى بقطع الألواح من صخرة صماء ليّنها الله له فقطعها بيده ثمّ شقها بإصابعه وسمع موسى صرير القلم بالكلمات العشر، وكان ذلك أول يوم من ذي القعدة وكانت الألواح عشرة على طول موسى عليه السلام.
وقال مقاتل وكعب {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الألواح} كنقش الخاتم وكتب فيها: إني أنا الله الرحمن الرحيم لا تشركوا بي شيئاً من أهل السماء ولا من أهل الأرض فإنّ كل ذلك خلقي ولا تقطعوا السبل ولا تحلفوا باسمي كاذباً فإن مَنْ حلف باسمي كاذباً فلا أُزكّيه ولا تقتلوا ولا تزنوا ولا تعقّوا الوالدين.
وقال الربيع بن أنس: نزلت التوراة وهي سبعون وقر بعير، يقرأ منها الجزء في سنة لم يقرأها إلاّ أربعة نفر: موسى يوشع وعزير وعيسى عليهم السلام، وقال: هذه الآية ألف آية يعني قوله: {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الألواح مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً} وتبياناً {لِّكُلِّ شَيْءٍ} من الأمر والنهي الحلال والحرام والحدود والأحكام.
{فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ} قال مقاتل: بجد ومواظبة. قال الضحاك: بطاعة {وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا} قال ابن عباس في رواية الكلبي: بأحسن ما أُمروا في الأرض فيحلوا حلالها ويحرموا حرامها، وكان موسى أشد عداوة من قومه فأمر بما لم يؤمروا به. وقال ابن كيسان وابن جرير: أحسنها الفرائض لأنه قد كان فيها أمر ونهي، فأمرهم الله تعالى أن يعملوا بما أمرهم به ويتركوا ما نهاهم عنه فالعمل بالمأمور به أحسن من العمل بالمنهي عنه.
وقيل: معناه أخذوا بها وأحسن عمله. وقال قطرب: يأخذوا بأحسنها أي بحسنها وكلّها حسن كقوله: {وَلَذِكْرُ الله أَكْبَرُ} [العنكبوت: 45] وقال الحسين بن الفضل: معنى قوله: {أحسنها} أن يتخيل للكلمة معنيين أو ثلاثة فيصرفوا إلى الشبهة بالحق. وقيل: كان فيها فرائض لا مبرّك لها وفضائل مندوباً إليها والأفضل أن يجمع بين الفرائض والفضائل.
{سَأُوْرِيكُمْ دَارَ الفاسقين} قال أهل المعاني: هذا كقول القائل لمن يخاطبه سأُريك غداً إلى بصير فيه قال مَنْ يخالف أمري على وجه الوعيد والتهديد.
وقال مجاهد: {سَأُوْرِيكُمْ دَارَ الفاسقين} قال: مصيرهم في الآخرة. قال الحسن: جهنم، وقال قتادة وغيره: سأُدخلكم النار فأُريكم منازل الكافرين الذين هم سكانها من الجبابرة والعمالقة.
وقال عطيّة العوفي: معناه سأُريكم دار فرعون وقومه وهي مصر يدلّ عليه.
قرأ ابن عباس وقسامة بن زهير: سأُورّثكم دار الفاسقين. وقال الكلبي: دار الفاسقين ما مرّوا عليه إذا سافروا من منازل عاد وثمود والقرون الذين أهلكوا. وقال ابن كيسان: ساريكم دار الفاسقين ما يصير قرارهم في الأرض.
وقال ابن زيد: يعني سنن الأوّلين، وقيل: الدار الهلاك وجمعه أدوار.
وذلك أن الله تعالى لمّا أغرق فرعون أوحى إلى البحر أن يقذف أجسادهم إلى الساحل ففعل فنظر إليهم بنو إسرائيل فأراهم هلاك الفاسقين.
وقال يمان: يعني مسكن فرعون.
{سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الذين يَتَكَبَّرُونَ فِي الأرض بِغَيْرِ الحق} قال قوم: حكم الآية لأهل مصر خاصة يعني بقوله: {آيَاتِي} يعني الآيات التسع التي أعطاها الله سبحانه موسى عليه السلام.
وقال آخرون: هي عامة، وقال ابن جريج وابن زيد: يعني عن خلق السماوات والأرض وما فيها من الشمس والقمر والنجوم والبحور والشجر والنبات وغيرها أصرفهم عن أن يتفكروا فيها ويعتبروا بها، وقال الفراء أي الغرباني: إنّي أمنع قلوبهم عن التفكر في أمري.
وسمعت أبا القاسم الحبيبي قال: سمعت أبا سعيد محمد بن نافع السجزي بهراة يقول: سمعت أبا يزيد حاتم بن محبوب الشامي قال: سمعتُ عبد الجبار بن العلاء العطار قال: سمعت سفيان بن عيينة وسئل عن هذه الآية: أُحرمهم فَهْم القرآن.
سمعت أبا القاسم الحبيبي قال: سمعت أبا جعفر محمد بن أحمد بن سعيد الرازي قال: سمعت العباس بن حمزة قال: سمعت ذا النون المصري يقول: أبى الله أن يكرّم قلوب الظالمين مكتوب حكمة القرآن {وَإِن يَرَوْاْ} يعني هؤلاء المتكبّرين.
قرأ مالك بن دينار فإن يروا بضم الياء أي يفعل بهم {سَبِيلَ الرشد} طريق الهدي والسداد {لاَ يَتَّخِذُوهُ} لأنفسهم {وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الغي} يعني الضلال والهلاك {يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً} وقرأ مجاهد وحميد وطلحة والأعمش وحمزة ويحيى والكسائي: الرشد، بفتح الراء والشين وهما لغتان كالسَقَم والسُقم والحَزَن والحُزن والبَخَل البُخل، وكان أبو عمرو يفرق بينهما فيقول: الرشد بالضم والصلاح في الأمر كقوله: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِّنْهُمْ رُشْداً} [النساء: 6] والرشد بفتح بفتحتين الاستقامة في الدين، وقرأ أبو عبد الرحمن الرشاد بالألف وهو مصدر كالعفاف والصلاح.
{ذلك بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ} لاهين ساهين لا يتفكرون فيها ولا يتعظون بها {والذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَآءِ الآخرة} ورؤية القيامة، وقيل: العالية في الآخرة {حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ} في العقبى {إِلاَّ مَا كَانُواْ} أي جزاء ما كانوا {يَعْمَلُونَ} في الدنيا.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9